ناجي الكرشابي يكتب : وإن صحت الأنباء.. فهذه خيانة مكتملة الأركان..!

في خضم مأساة سودانية مفتوحة على جراح لا تندمل، وفي لحظة تتطلب أعلى درجات الحس الوطني والوعي الجماهيري، يطل علينا من كواليس “الصفقات” السياسية اسمٌ يثير الاستفهام والاستفزاز معًا ، مرشحًا لمنصب وزير الإعلام في حكومة “الأمل”.
هل هو أمل المصالح الإقليمية التي غذّت الحرب، وأجّجت نار الفتنة، وحرّضت على الخراب من على منصات القنوات الموجهة؟
أم هو أمل إعادة تدوير وجوهٍ عملت طويلاً في مطابخ إعلام معادٍ، اعتاش على تشويه تضحيات الشعب السوداني، وتسويق الانقلابات، وتبييض وجوه الطغاة في بلاط “العربية” و”الحدث” وغيرها؟
هل جزاء السودانيين على صبرهم، أن يُسلم إعلامهم لمن حاربوهم بالكاميرات والمعلومات المضللة والتخابر مع القتلة؟! وهل أدل على هذا إلا من خلال قتل الوالي خميس أبكر بتلك الطريقة البشعة بعد ثواني من خروجه على تلك الشاشة الخبيثة…!
إذا صحّت الأخبار المتداولة عن هذا “الترشيح” رسميًا لتولي وزارة الإعلام، فإننا أمام انهيار أخلاقي وسياسي لا يقل عن الانهيار الأمني والعسكري الذي دمر السودان.
إنها خيانة مكتملة الأركان لتطلعات شعب سالت دماؤه من أجل الكلمة الحرة، فكيف يُعهد بهذه الكلمة اليوم لمن حاصرها، وشوّهها، ووقف في صف أعدائها؟!
إن تعيين رجلٍ من هذا الطراز هو تطبيع مع الحرب الإعلامية على السودان ، ومكافأة لمن خدم بروباغندا الأنظمة التي دعمت المليشيا، وموّلت خرابنا، وساهمت في تزييف وعينا.
من يقبل بهذا التعيين، يضع توقيعه على وثيقة اغتيال الإعلام الوطني، ويختار بوعيٍ أن يكون جزءًا من مؤامرة على ذاكرة السودانيين وحقهم في الحقيقة.
لا يخفى على أحد أنّ هذا “المرشح” كان لسنوات ضمن فريق إعلامي لا يخدم السودان بل يخدم أجندات رُسمت في غرف الأخبار “الصفراء”، التي لا ترى في السودان أكثر من ملف أمني أو سوق نفوذ.
لقد شارك -بصمت أو بتواطؤ- في صناعة روايات ضد المدنيين، وضد الجيش السوداني، وضد أي حلم بالقضاء على التمرد ، واليوم يُقدَّم في عباءة “المهني المحايد”، وكأن الذاكرة الجمعية لهذا الشعب كُتبت بالطباشير!
نقول لهؤلاء: الإعلام ليس وظيفة.. الإعلام موقف ، ما معنى أن تُوكل مهمة إعادة بناء الوعي الإعلامي، وسط هذا الركام، لشخص لم ينبس بكلمة واحدة يوم أُحرقت الخرطوم؟
ما معنى أن يصبح الوزير المنتظر من خارج دائرة المعاناة، من خارج سياق معركة الكرامة، ومن خارج الضمير الوطني؟
نحن لا نحتاج إلى مدير أخبار “ناجح” في صالة صفراء ، نحن بحاجة إلى صوت سوداني أصيل، كان مع الشعب لا عليه، عاش الألم لا راقبه من شاشات مكيفة ، ولازم الحياد حين كان الحياد خيانة وجريمة .
اذا صح هذا الخبر فإن من يقرر للناس وزراء إعلامهم، يقرر لهم طريقة موتهم أيضًا.. بالصمت.
إذا مضت هذه التسمية، فإننا أمام كارثة لا تقل خطرًا عن الرصاص.
إن الإعلام في بلدٍ محطم كالسودان هو جبهة من جبهات الصراع، ولا يجوز أن تُدار بوجوهٍ لا تملك ولاءً إلا للممول لا للوطن.
هذا الترشيح إهانة لشهدائنا العسكريين والمدنيين وسخرية من نازحينا، وتطبيع جديد مع الوجوه التي صمتت حين كنا نُباد ، وتغتصب حرائرنا ويهان جيشنا الباسل ويتهم زورا وبهتانا بـ “الدعشنة” وأكل وتقطيع الأوصال.



