
في لحظات المحن، تُختبر معادن الرجال، ويُكشف الستار عن حقيقة من ادّعوا البطولة والولاء. لم يكن أحد يتخيل أن يتحول من أُوكلت إليه مهمة حماية الوطن إلى رأس حربة في تمزيقه، ومن كان في قمة السلطة، ممسكاً
بزمامها والثروة، إلى آلة بطش لا تفرق بين عدو ومواطن أعزل.
قائد مليشيا الدعم السريع لم يكن مجرد مسؤول عسكري، بل كان النائب الأول في حكومة السودان، يملك من النفوذ والمال والذهب ما يكفي لبناء وطن لا هدمه. لكنه اختار الغدر، لا بالشعب فحسب، بل بالقيم التي يفترض أن يحملها من يتقلد منصباً عاماً. وعندما زالت عنه السلطة، لم يتراجع، بل أطلق العنان لآلة الانتقام، فشهد السودان فصولاً من القتل والاغتصاب والنهب والتدمير، في مشهد يعيد إلى الأذهان أسوأ كوابيس التاريخ.
ما يحدث ليس مجرد صراع على السلطة، بل جريمة مستمرة ضد الإنسانية، يدفع ثمنها الأبرياء من النساء والأطفال والشيوخ. إنها لحظة فاصلة في تاريخ السودان، لحظة يكتب فيها الشعب بدمه فصلاً جديداً من المقاومة، ويعيد تعريف من هو العدو ومن هو الحليف.
في النهاية، لا يُقاس القائد بما يملكه من ذهب أو جيش، بل بما يملكه من ضمير. والتاريخ لا يرحم، فهو لا يكتب إلا عن أولئك الذين وقفوا مع شعوبهم لا ضدها، وعن أولئك الذين صبروا حين ضاقت بهم الدنيا، وحافظوا على أخلاقهم حين امتلكوا كل شيء.
إلى من اختاروا طريق الدم والخراب، إلى قائد المليشيا ومن يقف خلفه من أعوان وحكومات، خاصة تلك التي تمده بالسلاح والغطاء السياسي من دول الجوار وحكومة أبوظبي، نقول: التاريخ لا يُنسى، والضمير العالمي لا ينام. قد تظنون أن القوةتصنع الشرعية وأن المال يشتري الصمت، لكن الشعوب لا تُشترى، والعدالة وإن تأخرت، لا تُهزم.
ما زال في الوقت متسع للتراجع، لوقف نزيف الأبرياء، وللعودة إلى جادة الإنسانية .فكل طلقة تطلقونها وكل بيت تهدمونه، وكل صرخة تُسكت، ستُكتب عليكم لا لكم. لا تبنوا مجداً على جماجم الأبرياء، ولا تظنوا أن دعم الخارج سيحميكم من لعنة الداخل.
السودان ليس ساحة لتصفية الحسابات، ولا غنيمة تُقسم بين الطامعين. هو وطن حي، وشعب عظيم، سيكتب نهايتكم إن لم تكتبوالأنفسكم بداية جديدة، فيها اعتذار، وانسحاب، ومحاسبة.


