مقالات

اليوم العالمي للملاريا : صرخة مدوية في وجه مرض يهدد الأرواح في السودان

شئ للوطن

 

 

يحل علينا اليوم العالمي للملاريا هذا العام والسودان يئن تحت وطأة تحديات مضاعفة. فبينما يسعى العالم جاهداً لترسيخ الجهود نحو دحر هذا المرض الفتاك، يواجه وطني واقعاً مؤلماً تفاقم بسبب الحرب الأخيرة التي عصفت بالبلاد، لتلقي بظلالها القاتمة على القطاع الصحي وتزيد من معاناة المواطنين.

الأرقام التي كشف عنها وزير الصحة السوداني، د. هيثم محمد إبراهيم، تبعث على القلق العميق. تسجيل أكثر من 1.5 مليون حالة إصابة بالملاريا وأكثر من 900 وفاة خلال العام الماضي، بمعدل ثلاث وفيات يومياً، ليس مجرد إحصائيات، بل هي أرواح فقدت، وعائلات فُجعت، ومستقبل مُهدد. هذه الأرقام الصادمة تجعلنا نتوقف ملياً أمام حجم الخطر الذي لا يزال يمثله هذا المرض، خاصة في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد.

إن الحرب الأخيرة قد تركت بصماتها المدمرة على البنية التحتية الصحية، وعطلت الخدمات الأساسية، ونزحت أعداداً كبيرة من السكان، مما خلق بيئة خصبة لانتشار الأمراض المعدية وعلى رأسها الملاريا. فمع تراجع القدرة على مكافحة نواقل الأمراض، وتأخر الحصول على التشخيص والعلاج، يصبح المواطن السوداني أكثر عرضة للإصابة بمضاعفات هذا المرض الذي يمكن الوقاية منه وعلاجه.

ومع ذلك، تبعث الجهود المبذولة على الرغم من هذه الظروف الصعبة، بصيصاً من الأمل. فإطلاق حملات مكافحة النواقل، وتوفير الأدوية المجانية والتشخيص المبكر، هي خطوات ضرورية ومقدرة. والأكثر أهمية هو البدء في إدخال لقاح الملاريا للأطفال دون سن الخامسة، الفئة الأكثر ضعفاً، في ولايتي القضارف والنيل الأزرق، مع التطلع إلى تعميمه ليشمل باقي الولايات تدريجياً. هذه المبادرة الشجاعة تعكس إصراراً على حماية أجيال المستقبل من هذا المرض.

إن عودة الاستقرار النسبي في بعض الولايات مثل الجزيرة وسنار والخرطوم تمثل فرصة سانحة لاستئناف وتوسيع نطاق الخدمات الصحية، والعمل على تهيئة بيئة صحية وآمنة وخالية من نواقل الأمراض. ولكن الطريق لا يزال طويلاً وشاقاً، ويتطلب تضافر كافة الجهود.

إن التزام وزارة الصحة بتحقيق هدف القضاء على الملاريا، من خلال التعاون مع الشركاء الدوليين والمحليين، وتفعيل دور الكوادر الصحية والمجتمعات المحلية في التوعية والوقاية، هو أمر بالغ الأهمية. وشعار الحملة “ما دايرين روح بالملاريا تروح” يلخص بصدق الإرادة الصلبة للشعب السوداني في مواجهة هذا العدو الخفي.

في اليوم العالمي للملاريا، يجب أن نرفع أصواتنا عالياً للتأكيد على أن مكافحة هذا المرض ليست مجرد مسؤولية حكومية أو قطاع صحي، بل هي مسؤولية مجتمعية وإنسانية مشتركة. يجب دعم الجهود الوطنية بكل السبل الممكنة، وتوفير الموارد اللازمة لضمان وصول الخدمات الصحية إلى جميع المحتاجين، خاصة في ظل هذه الظروف الصعبة.

إن القضاء على الملاريا في السودان هو تحدٍ كبير، لكنه ليس مستحيلاً. بالإرادة والعزيمة والتكاتف، يمكننا أن نحول هذا الشعار إلى واقع ملموس، وأن نحمي أرواح شعبنا ومستقبل أجيالنا القادمة من هذا المرض الذي طالما أثقل كاهل بلادنا. فلنجعل من هذا اليوم العالمي للملاريا نقطة انطلاق جديدة نحو سودان خالٍ من الملاريا، حيث لا تزهق روح بسبب هذا المرض الذي يمكن الوقاية منه وعلاجه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى