Uncategorized

حرب السودان: هل هي حرب على التاريخ؟ الدكتور جاد الله فضل المولى يضع الإجابة

نقطة إرتكاز

 

 

منذ اندلاع الحرب في السودان، لم تكن الأسئلة الكبرى غائبة عن الوعي الجمعي، بل كانت تتردد في أذهان كل من تابع مسار هذا البلد الذي لطالما رفع شعارات التحرر والعدالة، وتبنى خطاباً إسلامياً ثورياً في وجه الاستبداد العالمي. فهل ما يجري اليوم هو مجرد صراع على السلطة؟ أم أن السودان يُعاقب على تاريخه، على شعاراته، وعلى جرأته في الوقوف إلى جانب قضايا التحرر في العالم الإسلامي والعربي؟

السودان، الذي كان يوماً ما منبراً لحركات المقاومة، وملاذاً للمناضلين، ورافعاً لشعار “هي لله”، لم يكن مجرد دولة عابرة في الجغرافيا السياسية، بل كان رقماً صعباً في معادلة الصراع بين القوى الكبرى. دعم القضية الفلسطينية، احتضان الحركات الإسلامية، ورفض الهيمنة الغربية، كلها مواقف جعلت منه هدفاً دائماً لمحاولات الاحتواء والتفكيك. واليوم، حين تتفجر الحرب في قلب الخرطوم، لا يمكن فصل المشهد عن هذا التاريخ الذي يبدو أن البعض يريد محوه بالنار والدم.

اللافت أن أطرافاً دولية وإقليمية تتعامل مع الأزمة السودانية وكأنها فرصة لتصفية حسابات قديمة. فبعض القوى التي طالما ضاقت ذرعاً بخطاب السودان الإسلامي التحرري، وجدت في الحرب الحالية مناسبة لإعادة تشكيل المشهد السياسي بما يتناسب مع مصالحها، لا مع إرادة الشعب السوداني. الدعم السري للمليشيات، التواطؤ في تهريب السلاح، والتغطية الإعلامية المنحازة، كلها مؤشرات على أن ما يحدث ليس مجرد حرب أهلية، بل هو مشروع انتقامي ضد تاريخ السودان ومواقفه.

لكن السودان ليس مجرد شعارات، بل هو شعب حي، وجيش وطني، وإرادة لا تنكسر. فالمعركة اليوم ليست فقط على الأرض، بل على الذاكرة، على الهوية، وعلى الحق في أن يكون للسودان موقف مستقل. من يحاول طمس هذا التاريخ، ينسى أن الشعوب لا تُهزم بسهولة، وأن من رفع راية التحرر يوماً، لن يتراجع أمام آلة التدمير مهما اشتدت.

إن ما يحدث في السودان يجب أن يُقرأ بعمق، لا بسطحية. فالحرب ليست فقط بين طرفين، بل بين مشروعين: مشروع يريد للسودان أن يكون تابعاً، ومشروع يؤمن بأن السودان يجب أن يكون حراً، مستقلاً، وصاحب قرار. وبين هذين المشروعين، يقف الشعب السوداني، يدفع الثمن، لكنه لا يتنازل عن كرامته.

السودان اليوم لا يُعاقب على أخطاء، بل على مواقف. على جرأته في قول “لا” حين كان الجميع يقول “نعم”. وعلى تمسكه بخياراته حين كانت الدول تُباع وتُشترى في أسواق المصالح. فهل يُكتب لهذا الشعب أن ينتصر؟ التاريخ يقول نعم، لأن الشعوب التي تؤمن بقضيتها لا تُهزم، مهما اشتدت العواصف.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى