Uncategorized

دكتور جاد الله فضل المولى يكتب : الدولار ينهش الجنيه… هل ننجو من قبضة السوق الأسود؟

نقطة إرتكاز

 

 

في قلب الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالسودان، يقف السوق الأسود للعملات كأحد أخطر التحديات التي تُهدد استقرار البلاد المالي وتُضعف قدرة الدولة على التحكم في مواردها النقدية. فكل يوم يمر، تتسع الفجوة بين السعر الرسمي وسعر السوق الموازي، ويزداد التلاعب بأسعار الدولار، حتى بات المواطن السوداني رهينة لتقلبات لا ترحم، ومضاربات لا تعرف سقفاً.

 

لم يعد الأمر مجرد خلل في العرض والطلب، بل تحول إلى منظومة موازية تُدار خارج إطار القانون، تُغذيها شبكات تهريب الذهب والعملات الأجنبية، وتُعززها حالة انعدام الثقة في النظام المصرفي الرسمي. فالمصدرون يُفضلون السوق الموازي، والمغتربون يُحجمون عن التحويل عبر القنوات الشرعية، والمستثمرون يُراقبون من بعيد، مترددين في الدخول إلى بيئة غير مستقرة.

 

لكن هل يمكن كبح جماح هذا النزيف؟ نعم، إذا امتلكت الدولة الإرادة السياسية والرؤية الاقتصادية الواضحة. البداية تكون بتعديل القوانين المالية المكبلة، تلك التي تُعيق دخول العملات الحرة الناتجة عن الصادرات إلى البنك المركزي، وتُجبر المصدرين على اللجوء إلى السوق الموازي. ثم يأتي توحيد سعر الصرف تدريجياً، عبر آلية مرنة تُراعي الواقع، وتُقلل من الحوافز التي تُغذي السوق الأسود.

 

المغتربون، الذين يُشكلون شرياناً مالياً حيوياً، يجب أن يُعاملوا كشركاء في الإنقاذ، لا مجرد محولين. تقديم حوافز ضريبية، وضمان سعر صرف مُجزي، وتسهيلات مصرفية حقيقية، كفيل بجذب تحويلاتهم إلى القنوات الرسمية. أما المستثمرون الأجانب، فلا بد من طمأنتهم عبر بيئة قانونية مستقرة، وضمانات تحمي رؤوس أموالهم من تقلبات السياسة والبيروقراطية.

 

الحملات الأمنية التي بدأت مؤخراً لضبط المضاربين والمتلاعبين بأسعار العملات، خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنها لا تكفي وحدها. لا بد من احتكار شراء الذهب عبر البنك المركزي، لضمان عدم تهريبه، وتعزيز احتياطي النقد الأجنبي، وتوجيهه نحو دعم الجنيه السوداني.

 

إن معركة كبح السوق الأسود ليست معركة أرقام فقط، بل معركة سيادة وثقة وعدالة. فكلما اقتربنا من الشفافية في إدارة الموارد، كلما ابتعدنا عن الفوضى التي تُهدد حاضر السودان ومستقبله. الجنيه السوداني يستحق أن يُحمى، والمواطن السوداني يستحق أن يعيش في ظل اقتصاد عادل ومستقر.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى