مقالات

 شبكات المصالح أم سكاكين الفوضى؟ من يُجهز على البنية الوطنية؟

دكتور : جاد الله فضل المولى

نقطة إرتكاز

شبكات معقدة تتحرك في الظل، وسكاكين تمزق جسد الوطن بصمت، هذا هو المشهد الذي يعيشه السودان اليوم. وسط الصراع المحتدم التي تسببت فيه مليشيات الدعم السريع ومنذ أكثر من عامين، تتعرض البنية الوطنية لتفكيك منهجي يتجاوز الدمار الناتج عن الحرب التقليدية، ليُسجَّل ضمن أخطر صور التلاعب الاقتصادي والتقني الذي يهدد كيان الدولة من جذوره. فما يجري ليس من قبيل الفوضى العشوائية، بل فعلٌ منظّم، تحركه مصالح وشبكات تداخل فيها السياسي مع الاقتصادي، والمسلح مع التقني.

قطاع الكهرباء، أحد أبرز الضحايا، تحوّل من خدمة مدنية إلى هدف استراتيجي. عمليات تخريب دقيقة طالت محطات التغذية، وسُرقت كوابل النحاس الثقيلة وزيوت المحولات عبر طرق احترافية لا تُنذر بصراع عادي، بل بتخطيط هندسي منظم. من يعرف مكان برغي التفريغ وكيفية إخراج الزيت دون انفجار، لا يمكن وصفه إلا بمهندس الظلام، يعمل تحت غطاء المليشيا أو بأوامر جهات خارجية ذات أجندة. ربما يكون عمل استخباراتي أجنبي يتعاون مع عناصر المليشيا، وتوظف الخبراء لاستهداف شرايين الطاقة، في هجمات صامتة تحرم المواطنين من الحد الأدنى من الحياة.

ما يحدث لا يقتصر على الكهرباء. فمنظومة المياه تعطلت، والاتصالات قُطعت عن أجزاء واسعة من البلاد، والمراكز الطبية خرجت عن الخدمة ونهبت المقار الحكومية وبل تم استخدام الاثاثات لطهي الطعام في عمل ممنهج وجريمة جنائية مكتملة الأركان.

الجريمة لا تُرتكب برصاص فقط، بل بما يُحرم المواطن من الدواء والماء والضوء. وفي غياب العدالة الفاعلة، تتحوّل البنية الوطنية إلى ساحة لتصفية الحسابات، والمواطن إلى رهينة لقرارات لا يعرف من اتخذها، ولا كيف تُنفّذ. وبين من يتربح، ومن يهرب، ومن يشتري الصمت، يبقى الوطن يتآكل بلا مقاومة منظمة.

في هذه اللحظة الحرجة، يحتاج السودان إلى تحرك وطني شامل، يكشف عن أذرع الشبكات التي تجهّز على الدولة، ويعيد الاعتبار للعدالة،والمساءلةوالاستحقاق الشعبي. فالوطن لا يُباع… والبنية الوطنية ليست غنيمة حرب، بل قاعدة الحياة المشتركة التي يجب أن تُحمى لا أن تُنهب.حفظ الله السودان وشعبه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى