
دكتور : جاد الله فضل المولى
مرّ أكثر من شهر ونصف على تولي الدكتور كامل إدريس منصب رئيس وزراء السودان في واحدة من أكثر اللحظات حساسية في تاريخ البلاد، وسط حرب مستعرة وانهيارمؤسسات،وتدهورالخدمات ومع مرور الأيام، تتزايد التحديات فيما تبقى الوعود معلّقة في فضاء التصريحات السياسيةدون ترجمة على أرض الواقع.
استنزفت الحرب الموارد، ودمّرت البنية التحتية، وتسببت في موجات نزوح واسعة، تاركة الملايين من المواطنين في ظروف إنسانية قاسية. لم يطالب الناس بالمستحيل، بل طالبوا بأبسط الحقوق مياه نظيفة، كهرباء، أمن، وحق العودة إلى البيوت دون خوف. ورغم حديث إدريس عن حكومة الأمل، فإن هذا الأمل لن يُقاس بالشعارات، بل بالقدرة على البناء وسط الركام وتفعيل خطة وطنية شاملة للإعمار.
ورغم إعلان تحرير ولايات رئيسية مثل الخرطوم، سنار، والجزيرة ، لم تُستأنف الخدمات الأساسية بشكل فعّال، فالمدارس وجامعات ما زالت مغلقة،والمستشفيات شبه منهارة،والباعوض ينهش اكباد من بقي علي الحياة والمواطنون في حالةنزوح داخلي وخارجي مستمر لابرنامج وامل للعودة.يبرز هنا سؤالٌ محوري أين هيئة الإعمار؟. ولماذا لم تُشكّل حتى الآن فرق ميدانية تعيد الحياة إلى المناطق المحررة؟.
في وقت سابق أعلن إدريس عن برنامج يتضمن النهضةالاقتصادية العدالة الاجتماعية، ومحاربة الفساد، لكنه حتى اللحظة لم يفعل شئ فتشكيل حكومته بالوثبة ولم يُطلق مشاريع ملموسة، ولم يُبرم أي شراكات دولية لدعم الإعمار. المواطن يتساءل هل هناك خطة زمنية معلنة؟. وهل رُصدت ميزانية لذلك؟. ومن هم المستشارون المكلفون بقيادة هذه المرحلة الحاسمة؟.
في ظل تقارير إعلامية موثقة تتحدث عن دعم مباشر من الدول الإقليمية مثل حكومة أبوظبي للمليشيا، لم يصدر عن رئيس الوزراء أي تصريح أو موقف واضح. هذا الصمت يثير الريبة في أوساط شعبية عديدة، ويُفسَّر على أنه تراخٍ دبلوماسي أو حسابات سياسية غير مفهومة، في وقت يتطلب فيه السودان مواقف حاسمة تدافع عن سيادته.
المواطن السوداني لم يعُد يطيق الخطابات المنمقة، بل يبحث عمّن يصغي إليه، ويشعر بحجم معاناته ينتظرون فرقاً حقيقياً بين حكومة الأمل وسابقاتها، ويريدون أن يشعروا بأن من يقود الدولة يعرف تفاصيل الحارة، وهموم المدرسة المنهارة، وأنين المريض في المستشفى، لا أن يعيش في قاعات البروتوكول.
إذا أرادت حكومة إدريس أن تُخلّد في ذاكرة السودان الحديث، فعليهاأن تبدأمن المواطن المغلوب على أمره. الأمل لا يعيش في التصريحات، بل ينبض في حياة الناس. والوقت لا ينتظر؛ فإما أن تتحرك الحكومة الآن بخطة جادة، أو تُضاف إلى قائمة من خذلوا الوطن في لحظاته الحرجة.حفظ الله السودان وشعبه.
