في غرفةٍ معزولةٍ من التاريخ يرقد السودان كما يَرقدُ المريض الذي أنهكته الحمى وتكالبت عليه الأورام. جسده منهك، أنفاسه متقطعة بالكاد يتنفس الهواء، وتكاد شرايين اقتصاده تتوقف عن ضخ الحياة. لم يعُد يحتمل المسكنات،ولا الوعود الزائفة، بل يحتاج إلى طبيبٍ ماهرٍ لا يخشى النزف، ويملك الجرأة لتشخيص الداء كما هو..دون تجميل، دون خوف، دون مصالح.
هذا الوطن المريض لا ينتظر معجزة، بل ينتظر أبناءه. أولئك الذين يرون ما تحت الجلد من فساد، ويعرفون مواضع الضعف، ويؤمنون أن شفاءه يبدأ من نزاهة التشخيص وصدق العلاج. وان لايعول أبناءه علي المنح الخارجية المشروطه العلاج يبداء من الداخل.
الاقتصاد السوداني لم يسقط فجأة، بل نُهش تدريجياً بفعل الفساد المستشري، سوء إدارة الموارد، والعجز عن بناء مؤسسات قوية ونزيهة. التشخيص الحقيقي يبدأ من مواجهة الحقيقة بلا إنكار، بلا تزييف، وبلا تحميل الأزمة لأطراف هامشية.
لا تنهض الأمم بالأرقام وحدها، بل تنهض بمن يلمسون الجرح، ويشعرون بالناس، يتألمون لألمهم ويعملون لشفائهم. الشعور بالآخرين ليس عاطفة، بل أساس كل إصلاح حقيقي.
أين الأطباء الجراحون المتخصصون؟. السودان بحاجة إلى جراحين اقتصاديين لا يكتفون بالمسكنات، بل يزيلون الأورام التي أضعفت جسم الدولة. هؤلاء هم الوطنيون الصادقون، الذين يُقدّمون المصلحة العامة على المكاسب الخاصة،ويتعاملون مع الاقتصاد ككائن حي، لا ككُتيب سياسات جافة.
لا يمكن بناء اقتصاد على أكاذيب أو وعود زائفة. الشفافية، المحاسبة،والإرادة السياسية النزيهة، هي المكونات الحقيقية لأي خطة إنقاذ. نحتاج إلى من يجرؤ على قول أنا مخطئ، ومن يملك الشجاعة لإصلاح ما أفسده غيره.
إن كان الوطن مريضاً، فنحن من يجب أن يتدخل لإنقاذه. لا نبحث عن معجزة، بل عن أبناءٍ يتحملون المسؤولية ويؤمنون أن التغيير يبدأ بخطوة، والصّدق هو أول الدواء.فلنكن نحن بداية العهد الجديد عهد الإحساس، والإنقاذ، والشفاء.حفظ الله السودان وشعبه.
 
				 
					

