تقارير

تغريدة” مناوي .. و”مقال” رشان

كتب : ناجي الكرشابي

 

في تغريدة حملت الكثير من الإشارات، عبّر حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، عن قلقه من تصاعد ما وصفه بـ “حكاية تسريب الاجتماعات وتوجيه الأقلام والألسنة”، مشيراً إلى أن بعض ما يُنشر قد يكون محرّفاً أو خارجاً عن سياقه بقصد الإضرار بالأشخاص أو تشويه المواقف.

ورغم أن التغريدة جاءت في سياق سياسي، إلا أن جوهرها يدفع بنا للتفكر في طبيعة اللحظة السودانية الراهنة؛ فنحن أمام مشهد معقّد، تتداخل فيه المعاناة الإنسانية مع التوترات السياسية، وتزداد فيه الحاجة للثقة، في وقت تزداد فيه الشكوك، وتضيق فيه مساحات الأمل.

إن تسريب محاضر الاجتماعات – سواء كانت حقيقية أو مفبركة – يُعدّ تحدياً خطيراً لثقة الشركاء في لحظة وطنية دقيقة. كما أن إعادة نشرها دون تحقق أو إخراجها من سياقها، يمكن أن يضر بالمناخ العام ويزيد من توتر الساحة السياسية والمجتمعية.

في المقابل، فإن الردود المنفعلة أو التحذيرات العلنية، حتى إن كانت مبرّرة، قد تؤدي بدورها إلى المزيد من الاصطفاف وخلق حساسيات جديدة، وهو ما لا يحتاجه السودان اليوم.

تغريدة مناوي لم تأتِ من فراغ، بل تبدو ردًا على مقال للزميلة رشان أوشي، والذي أثار أسئلة مهمة تتجاوز المضمون إلى الخلفية والدوافع. وهنا يثور التساؤل بهدوء مشروع: لمصلحة من تُكتب مثل هذه المقالات؟ هل الغاية فعلاً تقديم قراءة نقدية لما جرى في بورتسودان؟ أم تمهيد ناعم لإعادة ترتيب المشهد السياسي وفق تصوّر أحادي تُقصى فيه بعض الأطراف وتُزيّن فيه أخرى؟

إن اللغة المستخدمة، وطريقة عرض الأحداث، ومحاولة تصوير بعض أطراف اتفاق جوبا وكأنها عقبة في طريق الدولة، كلّها مؤشرات توحي بأن المقال ليس بريئاً تماماً من غرض سياسي، حتى لو كان ذلك غير معلن.

نعم، نحن أمام مشهد لا تُكتب فيه الأقلام فقط، بل تُستخدم أحيانًا كأدوات لتصفية الخصوم، أو على الأقل للتقليل من شأن مساهمات فاعلين حقيقيين في لحظة مقاومة وطنية حرجة.

وحين يتحوّل الإعلام إلى أداة في معركة نفوذ، تفقد الكلمة معناها، وتُصبح الرسائل مجرّد جولات أخرى في صراع لا منتصر فيه. أما حين يكون الإعلام مساحة للتبصير والتهدئة، يصبح أداة قادرة على المساهمة في ترميم ما تصدع، لا في تعميق الانقسامات.

إن السودان لا يحتاج اليوم إلى سجال جديد، بل إلى وقفة مراجعة. ليس لأن طرفًا مخطئ وآخر مصيب، بل لأن الوطن يتطلب من الجميع قدراً من الحكمة يتجاوز الخصومات المؤقتة نحو مسؤولية جماعية أوسع.

ختامًا، لا شيء أنفع في مثل هذه الظروف من الصراحة النزيهة، ولا أرقى من الترفّع وقت الأزمات. السودان ينتظر من نُخبه أن تفتح أبواب الوفاق، لا نوافذ التسريبات والاتهامات. وربما تكون كلمات مناوي فرصة لنقول جميعاً: فلنبدأ حوارًا صادقًا، هادئًا، يضع المصلحة العامة فوق التفاصيل الصغيرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى