مقالات

ناجي الكرشابي يكتب : رؤية “صموت” وشرعنة الخراب !

اعلامي سوداني مقيم في تركيا

 

 

في خضم الكارثة السودانية، تُطلّ علينا “صموت” ولا أقول “صمود” بوثيقة بائسة وتافهة ومهترئه، تدعي أنها خارطة طريق لإنهاء ما أسمته “الحروب وتأسيس الدولة” ، لكن، وبعيدًا عن الشعارات البراقة، تتكشف هذه الوثيقة كمسوّدة تُبرر الخراب، وتُشرّع للتمرد، وتمنح غطاءً سياسيًا زائفًا لأطراف ساهمت في تدمير البلاد، بينما تلزم الصمت عن انتهاكاتهم.

 

تُقدم “صموت” نفسها كـ”قوى مدنية ديمقراطية”، لكن الواقع يكشف تناقضًا صارخًا. كيف لقوى تدعي المدنية أن تجلس مع مليشيات الدعم السريع في أديس أبابا، وتمنحها شرعية سياسية؟ هذا ليس خطأً تكتيكيًا، بل تواطؤ مباشر مع طرف يرتكب فظائع وانتهاكات جسيمة. إن منح هذه الشرعية يعادل تبييضًا لصفحة القتلة والمغتصبين، وتكريسًا للفوضى.

 

تتجاهل الوثيقة دور تمرد الدعم السريع المسلح في تأجيج الصراعات، وتركز على اتهام “نظام الإنقاذ” وحده. أي رؤية جادة يجب أن تعترف بجميع الأطراف الفاعلة في الدمار، لا أن تختار حليفًا تحت ستار “المدنية” بينما تصمت عن جرائمه.

 

تؤكد “صموت” أنه “لا حل عسكري” للحرب في البلاد، وتدعو لعملية سلام “يقودها السودانيون”. لكن مفهوم “السودانيين” هنا يبدو محدودًا جدًا، فهو يستبعد الأطراف التي ترفضها الرؤية. إن أي عملية سلام حقيقية يجب أن تضم جميع الأطراف الفاعلة على الأرض. تجاهل موازين القوى ورفض التعامل مع بعض الأطراف الفاعلة، يُثير الشكوك حول مدى جدية هذه الرؤية في تحقيق السلام.

 

كيف يمكن لهذه القوى أن تدّعي أن الجيش هو ذراع للنظام القديم، ثم تسعى للتحاور معه وتقاسم السلطة بدلًا من التعامل مع “المؤتمر الوطني” الذي تتهمه مباشرة؟ هذا يكشف عن انتهازية سياسية عميقة، ورغبة في الوصول إلى السلطة بأي ثمن، حتى لو كان ذلك على حساب المبادئ التي تدعيها، وعلى حساب دماء الشعب السوداني التي سالت. إنها محاولة مكشوفة للتلاعب بالرأي العام، حيث تُدين العسكر في العلن، وتسعى للتفاوض معهم حول كعكة السلطة، متجاهلة دعواها بأنهم مجرد واجهة “للإسلاميين”.

 

المفارقة الأكثر فظاعة في “رؤية صموت” هي التناقض الصارخ بين خطابها الذي يسعى لنزع شرعية الفريق البرهان ومؤسسة الجيش، وبين سعيها المبطن أو الواضح للجلوس والتفاوض معه حول تقاسم السلطة مرة أخرى. كيف يمكن لقوى تدعي الثورية وتسعى لتأسيس دولة مدنية أن تتحدث عن “الشعب السوداني هو المصدر الأساسي للسلطة” بينما هي مستعدة للتحالف مع من تعتبره ممثلاً للاستبداد العسكري؟ هذا يكشف عن انتهازية سياسية عميقة، ورغبة في الوصول إلى السلطة بأي ثمن، حتى لو كان ذلك على حساب المبادئ التي تدعيها، وعلى حساب دماء الشعب السوداني التي سالت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى