مقالات

محمد صلاح ابورنات يكتب : إبراهيم جابر.. جسر الدولة بين الانهيار والبقاء

كاتب ومحلل سياسي

 

منذ اندلاع الحرب التي فجرتها مليشيا الجنجويد في منتصف أبريل 2023، انشغل الرأي العام بتفاصيل المعارك، والأوضاع الإنسانية، والانهيار الأمني، لكن غابت عن السرد الإعلامي قصة لا تقل أهمية: محاولة إنقاذ كيان الدولة السودانية من السقوط التام، وهي المهمة التي تولّاها بصمت وصلابة الفريق مهندس مستشار إبراهيم جابر، عضو مجلس السيادة الانتقالي، ومساعد القائد العام للجيش.

ما ميّز جابر أنه لم يخرج بخطاب سياسي، ولم يدخل في معارك الميكروفونات، بل اختار خندقًا مختلفًا: إعادة بناء مؤسسات الدولة من جديد في بورتسودان، حين كانت العاصمة تئنّ تحت وطأة المليشيا، والدولة على حافة الفوضى.
فقد تولّى الرجل إدارة ملف اقتصاد الحرب، وبدأ بتشكيل خلايا عمل ضمت خبراء سودانيين وضعوا تصورات عاجلة لإبقاء عجلة الدولة تدور، ومنع الانهيار الاقتصادي.

عمل جابر على:
• إنشاء معامل فحص الذهب والمعادن لصالح الهيئة السودانية للمواصفات.
• إطلاق مشروع إنشاء مصفاة جديدة للذهب بولاية نهر النيل.
• تنظيم مؤتمر الصناعة ببورتسودان كبداية فعلية لتوطين الصناعة الوطنية.
• توفير الحوافز للمصنعين السودانيين الذين شُرّدوا من الخرطوم، وتسهيل بيئة الاستثمار في المناطق الآمنة.

هذه الجهود، لم تكن مجرد إدارة لحالة طارئة، بل هي بداية إعادة بناء الدولة الحديثة من خارج العاصمة، وهو ما وصفه بعض المراقبين بأنه “بناء دولة من العدم”.

ومع توغله في الملفات الاقتصادية، لم يغفل جابر مسؤولياته الإنسانية، فكان هو المشرف الأعلى للعمل الطوعي في مجلس السيادة، وقاد شخصيًا إرسال أكبر قافلة إغاثة من بورتسودان إلى الخرطوم، أعقبها مشروع لتغطية ولاية الجزيرة بالكامل بالمعونات.

واليوم، ومع دخول الحرب عامها الثاني، تتحدث الأرقام لا الخطابات؛ المخزون الاستراتيجي من القمح والذرة والفول السوداني في عهد إشرافه يكفي لعدة سنوات، والموسمان الزراعيان حققا نجاحًا رغم الظروف.

الذين خلطوا بين جابر و”حميدتي” لأن كليهما من غرب السودان، تجاهلوا أن الأول كان يسعى لإعادة بناء الدولة، بينما الثاني كان ينهشها بسلاح المليشيا. وبين الصمت والخيانة، اختار جابر الطريق الأصعب: العمل بصمت لصالح وطن ينهار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى