مقالات

دكتور جاد الله فضل المولى يكتب : السودان بعد الحرب… ولادة وطن جديد

نقطة إرتكاز

 

 

السودان بعد الحرب لا يُشبه السودان الذي عرفناه من قبل فالشعب السوداني لم يعد يطلب العودة إلى الوراء بل يطلب وطناً جديداً وطناً لا يُدار بالعاطفة ولا يُبنى على الشعارات ولا يُختطف باسم الانتماء أو الولاء بل يُدار بالعقل ويُحكم بالعدل ويُبنى على التعايش والقبول والاعتراف بأنّنا جميعاً شركاء في هذا الوطن مهما اختلفت مشاربنا وتباينت أفكارنا.

لقد علّمتنا الحرب أن لا أحد ينجو وحده وأنّ الوطن لا يُبنى بالعناد ولا بالتحزّب ولا بالخطابات الجوفاء بل يُبنى بالتسامح وبالنية الصادقة في الإصلاح وبالاعتراف بأنّنا جميعاً أخطأنا وأنّ الوقت قد حان لنُصحّح المسار لا لنُعيد إنتاج الألم.

الشعب السوداني اليوم لا يُريد دولةً تُدار بالوساطة ولا تُوزّع فيها الفرص بالمحاباة ولا يُكرّم فيها الولاء على حساب الكفاءة بل يُريد دولة القانون دولةً يُطبّق فيها القانون على الجميع لا كبير فيها على المحاسبة ولا صغير يُهان دون وجه حق دولةً يُحارب فيها الفساد بلا مجاملة ويُوضع فيها الرجل المناسب في المكان المناسب بحسب النزاهة والقدرة لا بحسب الانتماء.

السودانيون يُريدون وطناً يُعانق أبناءه لا يُفرّق بينهم وطناً يُكرّم المعلّمين ويُحترم فيه الأطباء ويُصان فيه العاملون وطناً تُبنى فيه المدارس لا السجون وتُزرع فيه الأشجار لا الألغام ويُكتب فيه التاريخ من جديداً بأيدينا لا بأيدي من لا يعرفوننا.

السودان بعد الحرب ليس مجرّد جغرافيا تُعاد رسمها بل هو وجدانٌ يُعاد ترميمه وهويةٌ تُعاد صياغتها وإرادةٌ شعبيةٌ تُريد أن تقول كفى عبثاً نُريد وطناً يليق بنا وطناً نُؤمن فيه أنّ التعايش ليس ضعفاً وأنّ القانون ليس تهديداً وأنّ الكفاءة ليست ترفاً بل هي أساس النهضة ومفتاح المستقبل.

السودان الجديداً يبدأ من هنا من صدق النوايا ومن عدالة التطبيق ومن احترام الإنسان أيّاً كان وأينما كان فإما أن نُعيد بناء هذا الوطن على أسسٍ جديدةٍ تُكرّم الإنسان وتُعلي من قيمة العمل وتُحارب الفساد بلا تردّد وإما أن نُعيد إنتاج الخراب بأشكالٍ جديدةٍ لا تُشبه إلا خيباتنا القديمة.

هذا الوطن يستحق أن يُولد من جديداً لا من رحم الحرب بل من رحم الحقيقة من رحم التعايش من رحم القانون من رحم الكفاءة من رحم الشعب السوداني الذي تعب من الانتظار ويريد أن يحيا لا أن يُحارب أن يُبني لا أن يُهدم أن يُحترم لا أن يُهان.

السودان الجديداً ليس حلماً بل ضرورة والصدق وحده هو الذي يُضيء طريق الإصلاح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى