الاقتصادي

الخطوط الجوية السودانية بين إرث الماضي وتحديات المستقبل

 

دكتور : جاد الله فضل المولى

الخطوط الجوية السودانية ليست مجرد شركة طيران بل هي جزء من ذاكرة وطن ورمز من رموز السيادة السودانية التي كانت يوماً ما من أوائل شركات الطيران في إفريقيا والشرق الأوسط تمتلك تاريخاً عريقاً يمتد لعقود لكنها اليوم تقف عند مفترق طرق بين الاستمرار في التراجع أو النهوض من جديد برؤية استراتيجية واضحة وشاملة.

تأسست الخطوط الجوية السودانية عام ١٩٤٧م وتُعد من أقدم شركات الطيران في إفريقيا والعالم العربي بدأت بأسطول صغير ثم توسعت في الستينات والسبعينات لتشمل طائرات حديثة ووجهات دولية متنوعة وفي التسعينات دخلت طائرات إيرباص إلى الخدمة مما عزز حضورها العالمي وكانت في ذلك الوقت سفيرة السودان في السماء ومصدر فخر لكل مواطن.

لكن اليوم تعاني الشركة من تهالك الأسطول وصعوبات مالية وإدارية ولم يتبق في الخدمة سوى طائرة واحدة من طراز إيرباص A320 وطائرتين قديمتين من طراز فوكر وهي مدرجة ضمن قائمة الحظر الأوروبي مما يعكس حجم التحديات التي تواجهها ويضعها أمام ضرورة إعادة البناء من الجذور.

تطوير الخطوط الجوية السودانية لا يمكن أن يتم عبر حلول جزئية أو ترقيات مؤقتة بل يتطلب إعادة بناء كاملة تبدأ من الهيكل الإداري وتنتهي بتحديث الأسطول الجوي مروراً بتأهيل الكوادر وتطوير الخدمات وتوسيع شبكة الرحلات الدولية والإقليمية فالشركة بحاجة إلى أن تتحول من كيان تقليدي مثقل بالبيروقراطية إلى مؤسسة ديناميكية قادرة على المنافسة في سوق الطيران العالمي.

الرؤية الاستراتيجية يجب أن تنطلق من فهم عميق لموقع السودان الجغرافي الذي يؤهله ليكون مركزاً إقليمياً للنقل الجوي بين إفريقيا والعالم كما يجب أن تستند إلى شراكات ذكية مع شركات طيران دولية ومؤسسات تمويلية تساهم في تحديث البنية التحتية وتوفير الطائرات الحديثة وتدريب الطواقم وفق أعلى المعايير.

إعادة الثقة في الخطوط الجوية السودانية تبدأ من تحسين تجربة المسافر من لحظة الحجز وحتى الوصول إلى الوجهة المنشودة عبر خدمات راقية ومواعيد دقيقة وأسعار تنافسية كما أن الاستثمار في التسويق وبناء الهوية المؤسسية سيساهم في استعادة مكانة الشركة في الوعي المحلي والدولي.

السودان لا يحتاج إلى شركة طيران فقط بل إلى رمز وطني يعكس طموحاته ويُجسد قدراته ويُعزز حضوره في العالم فكل رحلة جوية ناجحة هي رسالة بأن السودان قادر على التحليق من جديد وكل مطار يُستقبل فيه علم السودان هو إعلان بأننا عدنا إلى السماء بثقة وكفاءة.

الخطوط الجوية السودانية يمكن أن تكون رافعة اقتصادية وسياحية وتجارية إذا ما تم التعامل معها برؤية وطنية وإرادة سياسية واستثمار حقيقي في المستقبل فالإقلاع لا يبدأ من المدرج بل من القرار.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى