
في ظل تصاعد التوترات بين حكومة أبوظبي والسودان، تتجه الأنظار نحو أبوظبي، ليس فقط باعتبارها طرفاً إقليمياً فاعلاً، بل كجهة يُشتبه في أنها قد تلجأ إلى صناعة أزمة أمنية داخل حدودها، لتبرير تصعيد سياسي أو عسكري ضد الخرطوم. هذه الفرضية، التي صدرت في شكل بيان رسمي وتحذيري من وزارة الخارجية البريطانيةكماأن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا تحذران رعاياهما في الإمارات من هجمات محتملة.هذا ليست مجرد فرضية او خيال سياسي، بل تنبع من قراءة دقيقة لمسار الأحداث وبعد ان فقدت حكومة أبوظبي الأمل في كسب رهان الحرب علي حكومة السودان وفشل المليشيا في استلام السلطة بالقوة.
منذ اندلاع الحرب في السودان، اتهمت أبوظبي بدعم مليشيات الدعم السريع، وهو ما نفته رسمياً، مؤكدة حيادها. لكن الإجراءات الأخيرة، من تعليق تصاريح الإبحار إلى حظر حركة البضائع، تشير إلى تحول في المزاج السياسي لحكومة أبوظبي، وكأنها تتهيأ لمرحلة جديدة من المواجهة. وفي هذا السياق، تبرز مخاوف من أن تلجأ أبوظبي إلى افتعال أحداث أمنية داخلية، كوسيلة لإعادة تشكيل الرأي العام، وتبرير خطوات أكثر عدائية تجاه السودان.
السيناريو الأخطر يتمثل في استهداف مواقع حيوية داخل الإمارات،علي قرار ماتم في مركز التجارة الدولية والبنتاجون وتدخلت أمريكا في أفغانستان ومن ثم توجيه الاتهام إلى السودان، في محاولة لتصويره كتهديد إقليمي، لا مجرد خصم سياسي. مثل هذا التصعيد، إن حدث، سيحمل تداعيات خطيرة على الأمن الإقليمي، وسيفتح الباب أمام تدخلات دولية، ويزيد من عزلة السودان، الذي يعاني أصلاً من أزمة داخلية طاحنة.
لكن السؤال الأهم هل يمكن لدولة مثل الإمارات، التي بنت سمعتها على الاستقرار والانفتاح، أن تخاطر بصورتها الدولية من أجل تصفية حسابات سياسية؟ وهل يملك السودان، المنهك بالحرب والنزوح، القدرة أو المصلحة في الدخول في مواجهة أمنية خارج حدوده؟ الإجابة ليست سهلة، لكن المؤكد أن أي محاولة لتصعيد مصطنع ستكون مغامرة مكلفة، لا رابح فيها سوى الفوضى.
في هذا المشهد المعقد، يبقى صوت العقل هو الغائب الأكبر.
فبدلاًمن صناعة الذرائع، تحتاج المنطقةإلى صناعة الحلول، وبدلاً من تفجير الداخل، تحتاج إلى ترميم الثقة. وإذا كانت أبوظبي قد خسرت رهاناتها في السودان، فإن الطريق إلى التعافي لا يكون بالاتهام، بل بإعادة النظر في السياسات، والاعتراف بأن الشعوب لا تُدار بالضغط، بل تُحترم بالعدالة. حفظ الله السودان وشعبه من كل فتنة ومن كل طامع في أرضه وكرامته.


