من الاستهداف إلى التحدي .. الصناعات الدفاعية السودانية تتألق بمعرض إسطنبول

إسطنبول: ناجي الكرشابي
لم تكن مشاركة السودان في IDEF 2025 مجرد حضور رسمي، بل إعلان ضمني أن اليد التي تحمي الوطن يجب أن تُصنّع سلاحها، وهذه الخطوة تحمل دلالات استراتيجية عميقة، خاصة وأن مشاركة السودان جاءت نوعية ومتميزة ، وتُعد الثانية من نوعها في تاريخه مع هذا الحدث العالمي.
أردوغان..وحضور سوداني رفيع
افتتح المعرض بحضور فخامة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وإلى جانبه وزير الدفاع السوداني الفريق حسن كبرون، ومدير عام منظومة الصناعات الدفاعية الفريق أول ميرغني إدريس، هذا الحضور الرسمي المكثف لم يكن مجرّد بروتوكول، بل عكس رؤية سودانية جديدة تنظر إلى الصناعات الدفاعية كجزء من معركة السيادة الوطنية وتوازن الشراكات الدولية.
تأسيس مرحلة جديدة
في تصريحات وُصفت بأنها تؤسس لمرحلة جديدة، أكد وزير الدفاع السوداني أن بلاده “ماضية في استعادة مكانتها الإقليمية، برؤية استراتيجية توازن بين السيادة والتعاون التقني والعسكري البنّاء”، واضعًا بذلك محددات واضحة لمستقبل التعاون في هذا المجال الحساس.
السيادة تبدأ من التصنيع
من المعروف أن أي أمة تطمح إلى “القرار الحر والمستقبل المستقل” لا يمكن أن تبقى رهينة لاستيراد أدوات حمايتها. لذلك فإن مشاركة السودان، في هذا الظرف الحرج من تاريخه، في معرض يُعد من أبرز المنصات العالمية في تبادل الخبرات الدفاعية والتقنيات العسكرية، فيه رسالة واضحة: “رغم الجراح، نحن نُراكم خبراتنا، ونُعد لعصر جديد نمتلك فيه مفاتيح أمننا الوطني بأيدينا”.
إسطنبول.. البوابة الذكية
اختيار تركيا، وتحديدًا مدينة إسطنبول، كموقع للتواصل والانفتاح التقني، لم يأتِ من فراغ. فالتجربة التركية في مجال الصناعات الدفاعية أصبحت ملهمة للدول التي تسعى إلى التحرر من التبعية والارتهان، والتعاون السوداني التركي في هذا المجال، هو امتداد لعلاقات استراتيجية ذات جذور حضارية، ورؤية مشتركة لمفهوم التنمية والأمن.
ما بعد المعرض .. المطلوب أكثر
المشاركة في المعارض لا تعني الاكتفاء بعرض النماذج، بل تعني تفعيل شركات نقل التكنولوجيا، مع الدول الصديقة، وتدريب الكوادر السودانية الشابة على التقنيات المتقدمة، إضافة إلى تحويل هذه المبادرات إلى صناعات واقعية على الأرض، تُعزز الاكتفاء الذاتي، وتُدخل السودان إلى العصر الرقمي الأمني بثقة.
السودان بين الاستهداف والتحدي
رغم ما تعرّضت له منشآت الصناعات الدفاعية في السودان من تدمير ونهب ممنهج على يد (مليشيا آل دقلو)، تُظهر هذه المشاركة أن المنظومة لم تكتفِ بالصمود، بل تجاوزت ذلك إلى استعادة زمام المبادرة. وهو ما يمكن اعتباره نقطة انعطاف استراتيجية في بنية الدولة السودانية التي تسعى إلى التحرر من التبعية في الملفات العسكرية الحساسة.
ما وراء الحدث: سياسة جديدة بلا ضوضاء
في المشهد العام، تشي المشاركة السودانية بأنها أكثر من مجرد عرض تقني، بل هي بوابة عبور نحو تحالفات ذكية وتوازنات مدروسة. فقد بات واضحًا أن السودان يسعى إلى بناء سياسة دفاعية ترتكز على مبدأ السيادة المتوازنة، لتحقيق اكتفاء تقني دون قطع خطوط التعاون مع الدول الإقليمية والدولية، وعلى رأسها تركيا ، وهذا ما عبر عنه صراحة وزير الدفاع السوداني في افتتاح المعرض.
خارطة جديدة للدول الفاعلة
مع مشاركة أكثر من 1,400 شركة من أكثر من 50 دولة، من بينها قوى كبرى مثل أمريكا وفرنسا والصين والسعودية، فإن ظهور السودان في هذه الخارطة يعطيه موقعًا متقدمًا ضمن الدول التي تمتلك بنى تحتية قادرة على الإنتاج الدفاعي المحلي، ما يعزز من مكانة البلاد إقليميًا، ويمهد الطريق لاستقطاب استثمارات وشراكات خارجية أكثر ثقة.
لن نستورد أمننا… سنصنعه بأيدينا.
السودان اليوم، يُقدّم نموذجًا واعدًا لمستقبل يوازن بين الاستقلالية والانفتاح، وبين الطموح السيادي والواقعية التقنية، ويضع لبنة جديدة في صرح الدولة الحديثة، التي لا تُبنى فقط بالشعارات، بل بالعمل، والتقنيات، والتحالفات الذكية.


