مقالات

دكتور جادالله فضل المولي … يكتب : السودان بين معركة الكرامة ومعركة القيم

في خضم أتون الحرب والدمار الذي اجتاح السودان وبين أنقاض المدن ودموع الأمهات، يبرز سؤال جوهري لا مفر منه: ماذا يحتاج السودان ليتعافى ثم ينهض؟.الإجابة لا تكمن فقط في إعادة الإعمار أو ضخ الأموال أو توقيع الاتفاقيات، بل في إصلاح أعمق وأشمل يبدأ من الإنسان نفسه وينتهي ببناء دولة ذات ضمير حي.

أولى خطوات التعافي تبدأ من الإصلاح الأخلاقي والقيمي ، وهو ليس ترفاً فكرياً بل ضرورة وجودية. فالأخلاق ليست مجرد شعارات ترفع في المناسبات، بل يجب أن تتحول إلى استراتيجية دولة ، تُغرس في القادة قبل القواعد، وتُدرس في المدارس على يد معلمين مؤهلين، وتُبث عبر الإذاعات المحلية، تماماً كما فعلت رواندا حين جعلت من الإذاعات المسموعة والمشاهدة منبراً لغرس قيم النظافةوالانضباط والاحترام فنهضت من تحت رماد الإبادة إلى مصاف الدول المتقدمة.

ولنا في التجربة اليابانية درس بليغ، حيث تُدرّس الأخلاق كمادة أساسية، ويُربى الأطفال على احترام الكبير، والصدق، والانضباط، حتى باتت اليابان مضرب المثل في الأمانة والنظام. فهل من العدل أن نطلب تنمية في غياب الإنسان القيمي؟ وهل يمكن لإنسان بلا قيم أن يبني وطناً؟.

إننا بحاجةإلى وزارة للأخلاق وحب الوطن ، وزارة تضع الوطن فوق القبيلة، وفوق الحزب، وفوق كل انتماء ضيق. وزارة تعيد ترتيب الأولويات، وتُعلي من شأن الانتماء الوطني، وتُحارب الجهوية والقبلية التي مزقت نسيجنا الاجتماعي.

لقد خاض الجيش ورجال السودان معركة الكرامة بشجاعة، لكن المعركة الأكبر لم تبدأ بعد. إنها معركة البناء القيمي والعلمي ، معركة تحتاج إلى التواضع ونكران الذات، إلى قوانين رادعة تُطبق بعدالة، وإلى نظم إدارية تضمن الشفافية والمساءلة. فحين يأمن الفاسد من العقاب، يفسد الأدب، وتضيع الحقوق.

إن الحدود نزلت على خير أمة، ومع ذلك طُبقت فيهم، لأن العدالة لا تعرف المحاباة. ونحن اليوم أحوج ما نكون إلى عدالة لا تستثني أحداً، وإلى دولة لا تُدار بالمحاصصة،بل بالكفاءة والنزاهة. فالرجل المناسب يجب أن يُوضع في المكان المناسب، لا وفقاً للولاء، بل وفقاً للجدارة.

السودان لا يحتاج إلى معجزة، بل إلى إرادة. إرادة تُعيد بناء الإنسان قبل البنيان، وتُحيي الضمير قبل أن تُرمم الجدران. فالتغيير ليس مستحيلاً، لكنه يبدأ من الداخل. من هنا، من هذه اللحظة، فلنبدأ معركة القيم، فهي وحدها القادرة على أن تضع السودان على طريق التعافي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى