
في زمنٍ تتكاثر فيه الأخطار وتتراجع فيه الثقة، لم يعد الصمت خياراً ،ولم يعد الحياد موقفاً. الوطن ينزف، والأمن يتآكل، والمجتمع يترنح بين الخوف والتراخي.وفي قلب هذا المشهد، يبرز سؤال واحد لايحتمل التأجيل من المسؤول؟ والإجابة ليست في مكاتب السلطة، ولا في دوريات الشرطة، بل في ضمير كل مواطن. لأن الأمن لا يُصنع من فوق، بل يُبنى من تحت، من الشارع، من البيت، من الوعي الشعبي الذي يرفض أن يكون مجرد متفرج على انهيار وطنه.
حين ترى خطراً يقترب، لا تلتفت بعيداً. حين تسمع همساً مشبوهاً، لا تكتفي بالاستنكار الداخلي. حين تلاحظ حركة مريبة، لا تكتفي بالمراقبة الصامتة. لأن الصمت في زمن الفوضى ليس حياداً، بل مشاركة غير مباشرة في الجريمة. لا تقل ما شأني، بل قل أنا المعني. لأن كل لحظة تردد قد تكلّف حياة وكل موقف سلبي قد يفتح باباً للفوضى.
المواطنة ليست بطاقة تُحمل، بل موقف يُتخذ. أن تكون مواطناً يعني أن تكون شريكاً في حماية وطنك، لا أن تنتظر من يحميك. أن تكون مواطناً يعني أن تبلّغ، أن تتعاون، أن ترفض التستر، أن ترفع صوتك حين يخفت صوت القانون. لأن السودان لا يُحمى بالشعارات بل يُحمى بالمواقف. لا أحد فوق المسؤولية، ولا أحد خارجها. كلنا في قلب المعركة، وكلنا على خط النار، وكلنا مسؤولون عن أن يبقى هذا الوطن واقفاً.
في الأحياء التي غابت عنها الدوريات، وفي القرى التي لم تصلها التعزيزات، هناك رجال ونساء وقفوا كالسدّ، لا يحملون سلاحاً، لكنهم يحملون وعياً، يحملون شجاعة، يحملون إيماناً بأن الأمن يبدأ من الداخل. هؤلاء لم يقولوا “ما شأني”، بل قالوا “أنا المعني”، فحموا جيرانهم، وبلغوا عن المجرمين، ووقفوا في وجه الفوضى، لأنهم أدركوا أن الوطن لا يُحمى إلا بأبنائه.
لا تنتظر أن يُكتب اسمك في قائمة الضحايا لتتحرك. لا تنتظر أن يُطرق بابك في منتصف الليل لتدرك أن الأمن مسؤوليتك. تحرّك الآن، كن أنت البداية، كن أنت الحارس، كن أنت الصوت الذي لا يُخرس. لأن الأمن لا يُستورد، ولا يُفرض، بل يُصنع من داخلنا… من وعينا، من شجاعتنا، من إيماننا بأننا شركاء في بناء وطن آمن ومستقر.
في لحظة الحقيقة، لا مكان للحياد. إما أن تكون جزءاً من الحل، أو جزءاًمن المشكلة. فاختر أن تكون المعني، لا الغائب. واختر أن تكون الحارس، لا المتفرج. واختر أن تقولها بصوتٍ عالٍ أنا المعني… ولن أسمح لوطني أن يسقط بصمتي. حفظ الله السودان وشعبه من كل فتنة ومن كل طامع في أرضه وكرامته.



