
رئيس البعثة الأممية السابق في السودان، فولكر بيرتس نشرت له مجلة “المجلة” حوار صحفيا قبل يومين، فيه أراء وأفكار مهمة ملخصه:
أن تشكيل حكومة موازي بوصاية قوات الدعم السريع، تؤكد تبعيتها المطلقة للدعم السريع، أيا كان الاسم الذي تُطلقه على نفسها.
استعادة الجيش للخرطوم أفضى إلى تغيّر نسبي في الخطاب الدولي، وأصبح يُنظر إليه على أنه الحكومة الشرعية في السودان، وهو ما لم يكن الحال عليه خلال العامين الأولين من الحرب. في المقابل، بات يُنظر إلى قوات الدعم السريع كمجرد جماعة متمردة.
احتمال حدوث انقسام على غرار ما جرى بين السودان وجنوب السودان يبدو ضعيفا في الوقت الحالي، نظرا للطبيعة المعقدة لتكوين القوى المتصارعة، ما يجعل فكرة الانقسام الرسمي أكثر صعوبة.
لا يرى ما يشير إلى ترسيخ فعلي لسلطة قوات الدعم السريع على المناطق التي تُعرف الآن بأنها خاضعة لها.
لا يرى في قوات الدعم السريع جيشا منظما بمفهومه المؤسسي، بل هي في جوهرها ميليشيا عائلية ترتكز على نفوذ عائلة “حميدتي” وتنتمي إلى قاعدة اجتماعية ضيقة ذات طابع عرقي.
الجماعات المسلحة ذات الخلفيات العرقية والقبلية المختلفة المساندة للدعم السريع، ما عدا الرزيقات، لها أهدافها الخاصة، ومن غير المرجح أن تبقى تحت قيادة “حميدتي” إلى أجل غير مسمى.
يرى تحالف عبد العزيز الحلو وحميدتي مؤقتا بطبيعته. يجمعهما عدو مشترك، لكن لا تربطهما رؤية موحدة لإدارة الحكم. وأتوقع انهيار هذا التحالف عاجلا أم آجلا.
و يرى أن شخصية عسكرية مثل البرهان قد ترى في ظل غياب فرصة لتحقيق نصر شامل، فرصة تقليل الخسائر وقبول تسوية مشروطة تبدو خيارا عقلانيا.
وقف إطلاق النار أقرب منالاً، ولا سيما الآن بعد طرد قوات الدعم السريع من الخرطوم
الجيش السوداني لا يزال يُمثل مؤسسة قائمة.. أما قوات الدعم السريع، فهي في جوهرها ميليشيا خاصة، لم تُبدِ أي محاولة فعلية لتقديم نموذج للحكم في المناطق التي سيطرت عليها، ولم تسعَ إلى كسب ثقة المجتمعات المحلية. بل إن ما سُجّل كان على العكس من ذلك تماما: عمليات نهب واسعة، واغتصاب، وارتكاب جرائم قتل.
هذه الافادات الداعمة بقوة لشرعية الجيش ممثلا للدولة السودانية وتأكيد اختلال أية محاولة لمساواته مع قوات الدعم السريع، ليست موقفا طارئا لفولكر ولا للمجتمع الدولي.. بل بعبارات أكثر قوة وصراحة عبرت عن ذلك الولايات المتحدة الأمريكية في سياق مساعيها لاقناع الحكومة السودانية بالمشاركة في جولة مفاوضات سويسرا التي تحدد لها 14 أغسطس 2024، ولكن رئيس مجلس السيادة البرهان رفض تماما الانخراط فيها رغم تأحيلها أكثر من مرة في انتظار وصول الوفد الحكومي.
المثير للدهشة أكثر؛ هو الزوابع التي ظلت تحيط بفولكر منذ بدايات شهر ديسمبر 2021 عندما دعا لمشاورات واسعة مع المكونات السياسية والمجتمعية السودانية وكان أول من استخدم تعبير “العملية السياسية” في وصف تلك المشاورات و ما يتبعها.
التقى فولكر بأكثر من مائة مجموعة سياسية ومجتمعية سودانية، و لخص مكتبه المشاورات في تقرير طويل ليكون الوثيقة الأساسية التي تبني عليها مؤتمر مائدة مستديرة للوصول الى أوسع توافق يعبر بالبلاد.
وبدلا من مساعدته والانخراط بجدية في هذه العملية السياسية بدأ ما أطلق عليه “التيار الاسلامي العريض” تنظيم مظاهرة أسبوعية أمام مقر البعثة الأممية بالخرطوم تهتف وتحمل لافتات عدائية ضد فولكر.. ثم خطاب مفاجيء من الرئيس البرهان هدد فيه بطرد فولكر.. وبدأت الحملة تزداد ضراوة إلى أن تفتقت فكرة عجيبة لعرقلة “العملية السياسية” بدعوة الاتحاد الافريقي ومنظمة الايقاد للمشاركة فيها، وتكوين ما أطلق عليها “الآلية الثلاثية” .. والهدف الوحيد منها هو افشال العملية السياسية.. ودشنت أعمالها بخلافات ومواجهات عنيفة بين أضلاعها الثلاثة، لتحتاج هي نفسها إلى من يفك خيوط ازمتها.
ثم بعد ذك توالت حملة منظمة وتقدم السودان بطلب رسمي للأمم المتحدة لطرد فولكر.. و ضاعت سنة كاملة الى أن تحقق ذلك.
لم تكن هناك أية حيثيات مقنعة لموقف الحكومة رغم كثافة ما كانت تبثه من دعاية.
الآن .. تبدو الصورة أكثر وضوحا.. ان السودان الدولة دائما ضحية أجندة سياسية كفيفة البصر..

